الثلاثاء، 26 مايو 2009

حل الدولتين عند أوباما وناتنياهو والليكوديين... والدور المصري العائد



حل الدولتين مرفوض عند الليكوديين. وقد صوتت غالبية الشعب الإسرائيلي لليمين المتطرف الذي يعارض قيام دولة فلسطينية والمتمثل بصورة أساسية في حزبي الليكود وإسرائيل بيتنا. ولأن الضغوط تتزايد علي ناتنياهو للقبول بحل الدولتين فقد لجأ إلي ورقة ضغط يساوم عليها في الأيام القادمة تتمثل في ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة. وهذا الاعتراف من شأنه أن يهدد وجود أكثر من مليون عربي يعيشون في إسرائيل إلي جانب كونه يسد الطريق أمام حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، الذي هو أحد الأسس الخمس التي تقوم عليها مفاوضات الوضع النهائي. ويناقش اجتماع خاص في الكنيست الإسرائيلي للليكوديين خلال الأيام القادمة فكرة رفض حل الدولتين والبدائل المطروحة لهذه الفكرة، بصورة تبعث برسالة ضمينة إلي أوباما -الذي يزور مصر قريبا- فحواها أنه ليس ناتنياهو وحده هو الذي يرفض حل الدولتين ولكن الشعب الإسرائيلي الذي أتي به إلي الحكم كذلك يرفض هذا الحل، ومن ثم يتعين علي أوباما ألا يفرضه علي الإسرائيليين.
ألا يكفي هذا المشهد وغيره مئات المشاهد لنتأكد من كون إسرائيل ما نشأت إلا لتحتل أراض، وتغتصب حقوق، وتنتهك قوانين وتمارس البلطجة والإجرام بكافة صورهما وأشكالهما، ولا تحتكم سوي لقانون الغاب. ولم يحدث أن انسحبت من أراض سوي تحت ضغوط هددت بقاءها واستقلالها. ويتأكد لنا ذلك أيضا بعدما تم الكشف مؤخرا عن خطاب روسي كان قد تم توجيهيه إلي الحكومة الإسرائيلية عقب عدوان 1956 علي مصر، يهدد بمسح إسرائيل من الوجود إذا لم تنسحب من سيناء. ومعلوم أنها لم تنسحب من سيناء بعدما أعادت احتلالها في 1967 إلا بعد أن أثبتت لها مصر أنها دولة قوية تستطيع باقتدار أن تحتكم لنفس القانون – قانون الغاب - إن لم تجد مفرا من الاحتكام إليه، من أجل استعادة حقوقها، وذلك حين رفعت مصر آنذاك شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. وجاءت حرب 1973 لتثبت لإسرائيل ذلك.
إزاء الصورة السابقة، يبدو الوضع شديد التعقيد بالنسبة لمصر التي تسعي لإحلال السلام في المنطقة. والوقت الآن يحتم عليها أكثر من أي وقت مضي أن تسارع بأن تخرج ما بجعبتها من بدائل - هي حتي الآن حبيسة أدراج كبار المسئولين – وذلك حتي يدرك القاصي والداني والعدو والصديق أنه إذا ما فشلت الضغوط علي إسرائيل لكي تقبل وتعمل بمقتضي المبادرة العربية للسلام، وإذا لم يعد يوجد في إسرائيل معسكر سلام قوي قادر علي إقناع الشعب الإسرائيلي بها، علي غرار ذلك المعسكر الذي نتج عن مبادرات وأفكار الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فإن مصر لديها الجديد لتفعله. وهذا الجديد المطلوب من القاهرة أن تقدمه للعالمين العربي والإسلامي صار مطلوبا بصورة ملحة لمصحتها هي قبل غيرها. والأكثر إلحاحا من ذلك أن تدرك القاهرة أنها هي منبر هذين العالمين بعد أن أدرك الغرب ذلك وحتي تقطع الطريق علي إيران التي تحاول أن تظهر بصورة زعيمة العالم الإسلامي، ومن أجل أن تكون مصر أهلا لدور عالمي صار يزاحمها فيه أقزام غرتهم أموالهم وقواعد أجنبيه تحميهم، وأيضا قوي إقليمية لم تقدم للإسلام طوال تاريخها عشر معشارما قدمته مصر في إحدي معاركها دفاعا عن الإسلام، ولنا في عين جالوت خير شاهد، هذ1 إن لم تكن تلك القوي والتي أحددها في كل من إيران وتركيا، قد ارتكبت أخطاء تاريخية كبيرة في حق المسلمين لا مجال لسردها الآن. إن دولة الظلم والطغيان ما فتأت تخرج لنا ورقة تلو الأخري لتخلق بها واقعا جديدا علي الأرض وتجبرنا علي التنازل عن مطالبنا شيئا فشيئا، فمن حدود 1948 إلي حدود 1967 وأخيرا إلي يهودية الدولة. وبين كل هذه التواريخ قضمت أراض، وهدمت بيوت، وبنيت مستعمرات، وكان الأخطر ما جري ولا يزال يجري من تهويد للقدس. وهو ما يحتم علينا تقديم بدائل. ولنضف إلي ذلك وجود مشروع إيراني يستقطب عددا من الدول العربية والإسلامية قد يكون هذا العدد مرشحا للزيادة في ظل وجود اليمين المتطرف في إسرائيل. الأمر يحتم إذن أن تخرج القاهرة لعالميها بدائل إذا ما فشلت أمريكا في الضغط علي إسرائيل لقبول والعمل بمقتضي المبادرة العربية للسلام، خاصة بعدما أعلن بالأمس متحدث رسمي باسم البيت الأبيض أن أوباما لن يعرض خلال زيارته لمصر خطة سلام جديدة، وإنما سيركز في خطابه علي علاقة الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي.
إذا ما فشلت القاهرة في طرح بدائل، فلن يكون أمام العرب سوي إما الاندماج في أحد المشروعين الإقليميين: الإيراني أو الإسرائيلي. وإما البقاء في موقف المتفرج. المشروع الأول لا يسعي سوي لتأمين الوصول لقدرات نووية تمكن الجمهورية الإسلامية من دور إقليمي أكبر وقيادة العالم الإسلامي، في حين أن الثاني يهدف إلي تصوير إيران بأنها هي المهدد لاستقرار المنطقة وبالتالي فيجب إجهاض مشروعها قبل نضوجه من خلال توجيه ضربه عسكرية. الأول قومي فارسي شيعي بعكس ما يحاول أن يصبغ علي نفسه من صبغة الإسلامية. والثاني صهيوني يهودي. ووقت أن يظهر الجديد الذي تقدمه القاهرة، فلن يكون ثمة حديث عن ضعف الدور المصري، وإنما عن عودته، ولكن هذه المرة سيكون في صورة أخري تختلف كثيرا عن تلك الصورة التي كانت عليها إبان حقبة مصر عبد الناصر بمرحلتيها قبل وبعد 1967ومصر السادات بمراحلها وأفكارها الكثيرة. أما الحديث عن طبيعة هذا الجديد فيحتاج إلي مقالات أطول.
القاهرة 26 مايو 2009

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

من نافلة القول أن دور مصر علي الساحتين الإقليمية والدولية صار محل انتقاد الكثيرين من المخلصين من المثقفين المصريين وغيرهم من إخوانهم العرب. وبعد أن اختيرت مصر لتكون المنبر الذي يخاطب من عليه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية العالم الإسلامي، فقد أصببحت الحاجة ملحة لأن تولي القاهرة أولوية خاصة للعب دور ريادي في عالمها الإسلامي. يأتي ذلك في الوقت الذي تنشط فيه إسرائيل للعب بورقة ضرورة الاعتراف يهودية الدولة. الأمر الذي يمثل تحديا كبيرا أمام مخططي السياسة الخارجية المصرية، وخاصة في ظل وجود حزب الليكود المتطرف علي رأس الحكومة الإسرائيلية.